فصل: مقتل المتوكل في هذه السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين

فتح عمورية وإمساك العباس بن المأمون وحبسه وموته‏.‏

فـي هـذه السنـة خـرج ملـك الـروم نوفيـل فـي جمـع عظيـم فبلـغ زبطـرة وقتـل وسبـى ومثـل بمن وقع في يده من المسلمين ولمـا بلـغ المعتصـم ذلـك وأن امـرأة هاشميـة صاحـت وهـي فـي أيـدي الـروم وامعتصماه استعظمه ونهض من وقته وجمع العساكر وسار لليلتين بقيتا من جمادى الأولى من هذه السنة أعني سنة ثلاث وعشرين ومائتين‏.‏

وبلغـه أن عموريـة هـي عيـن النصرانية وهي أشرف عندهم من قسطنطينة وأنه لم يتعرض أحد إِليها منذ كان الإسلام وتجهز المعتصم جهازاً لم يعهد قبله مثله من السلاح وخيام الأدم وغير ذلك وسار المعتصم حتى نزل على نهر قريـب مـن البحـر بينـه وبيـن طرسـوس يـوم وجعـل عسكره ثلاث فرق فرقة مع الإفشين خيذر ابن كاؤوس ميمنة وفرقة مع أشناس ميسرة وفرقة مـع المعتصـم فـي القلـب وبيـن كـل فرقـة وفرقة فرسخان وأمرهم المعتصم بحريق القرى وتخريب بلاد الروم ففعلوا ذلك حتى وصلوا إِلى عمورية فأول من قدمها أشناس ثم المعتصم ثم الإفشين فأحدقـوا بها وكان نزوله عليها لست خلون من رمضان من هذه السنة وأقام عليها المنجنيقـات وجـرى بيـن المسلميـن والروم عليها قتال شديد يطول شرحه وآخره أن المسلمين خربوا في السور مواضع بالمنجنيق وهاجموا البلد وقتلوا أهله ونهبوا الأموال والنساء وأقبـل النـاس بالسبي والأسرى إِلى المعتصم من كل جهة وأمر بعمورية فهدمت وأحرقت وكان مقامه على عمورية خمسة وخمسين يوماً ثم ارتحل راجعـاً إِلـى الثغـور فلمـا كان في أثناء الطريق بلغ المعتصم أن العباس بن المأمون قد بايعه جماعة من القواد وهو يريـد أن يثـب عليـه ويأخـذ الخلافـة منـه فدعـا المعتصـم بالعبـاس بـن المأمـون وأمسكـه‏.‏

وسلمـه إِلـى الافشيـن خيـذر فلمـا وصـل إِلـى منبج طلب العباس الطعام فأكل ومُنع الماء حتى مات بمنبج فصلى عليه بعض أخوته وأتم المعتصم سيره حتى دخل سامراء‏.‏

وفيهـا أعنـي سنة ثلاث وعشرين ومائتين توفي ملك إِفريقية زيادة الله إِبراهيم بن الأغلب وتولى بعده أخوه أبو عقال الأغلب بن إِبراهيم بن الأغلب‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين

في هذه السنة مات إِبراهيم المهدي في رمضان وصلى عليه المعتصم‏.‏

وفيها مات أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام اللغوي وكان عمره سبعاً وستين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمـس وعشريـن ومائتين

في هذه السنة توفي أبو دلف وعلي بن محمد المدايني المشهور‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وعشريـن ومائتين

فـي هـذه السنة غضب المعتصم على الإفشين خيذر بن كاؤوس وحبسه حتى مات في حبسه وأُخرج فصُلب أُحرقت جثته والإفشين هو الذي قاتل بابك المجوسي الذي استولى على جبال طبرستان مدة عشرين سنة وعظم أمره وهزم عدة مـرار عساكـر المعتصـم حتى انتدب له المعتصم الإفشين المذكور فجرى له معه قتال شديد في مدة طويلة انتصر الإفشين وأخذ مدينة بابك البذ وأسر بابك وأحضره إِلى المعتصم فقتلـه والإفشيـن خيـذر المذكـور بفتـح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة من تحتها والذال المعجمة وفي آخرها راء مهملة‏.‏

وفي هذه السنة توفي الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله العلاف البصري شيخ المعتزلة وزاد عمره على مائة سنة‏.‏

وفيها توفي أبو عقال الأغلب بن إِبراهيم بن الأغلب وتولى بعده أخوه أبو العباس محمد بن إِبراهيـم بـن الأغلب فكانت ولاية الأغلب سنتين وتسعة أشهر‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين

  وفاة المعتصم

وفيها توفي أبو إِسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد لثماني عشرة مضت من ربيع الأول بسامراء وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر ويومين وكان مولده سنة سبع وتسعين ومائة وهو ثامن الخلفاء والثامن مـن ولـد العبـاس ومـات عـن ثمانيـة بنيـن وثمـان بنـات وكـان أبيـض أصهب اللحية طويلها مربوعاً مشرب اللون بحمرة وهو أول من أضيف إِلى لقبه اسم الله تعالى من الخلفاء وكان المعتصم بالله طيـب الأخلـاق لكنـه إِذا غضـب لا يبالـي مـن قتـل ومـا فعـل وقـد حكـي أن المعتصـم انفـرد عـن أصحابـه فـي يـوم مطر فبينما هو يسير إِذ رأى شيخاً مع حمار عليه حمل شوك وقد توحل الحمار ووقع الحمل وهو ينتظر من يمر عليه ويساعده على ذلك فنزل المعتصم بالله عن دابته وخلص الحمار ورفع معه الحمل عليه ثم لحقه أصحابه فأمـر لصاحب الحمار بأربعة آلاف درهم وقال ابن أبي داود‏:‏ تصدق المعتصم ووهب على يدي مائة ألف ألف درهم‏.‏

  خلافة ابنه الواثق

وهـو تاسعهـم وبويـع الواثق بالله هارون بن المعتصم في اليوم الذي توفي أبوه وذلك يوم الخميس لثمانـي عشـرة مضـت من ربيع الأول في هذه السنة أعني سنة تسع وعشرين ومائتين وأم الواثق أم ولد رومية تسمى قراطيس‏.‏

وفي هذه السنة هلك نوفيل ملك الروم وملك بعده امرأته بدورة وابنها ميخائيل بن نوفيل‏.‏

الفتنة بدمشق لما مات المعتصم ثارت القيسية بدمشق وعاثوا وأفسدوا وحصروا أميرهم بدمشق‏.‏

فبعث إِليهـم الواثـق عسكـراً مع رجاء بن أيوب فقاتلهم وكانوا قد اجتمعوا بمرج راهط فقتل من القيسة نحو ألف وخمس مائة وانهزم الباقي وصلح أمر دمشق‏.‏

وفي هذه السنة توفي بشر بن الحارث الزاهد المعروف بالحافي في ربيع الأول‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان وعشريـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة فتح المسلمون عدة أماكن من جزيرة صقلية وكان الأمير على صقلية محمد بن عبد الله بن الأغلب وكان مقيماً في صقلية بمدينة بلرم لم يخرج منها لكن يجهز الجيوش والسرايا فيفتح ويغنم وكانت إِمارته علـى صقليـة تسـع عشـرة وفـي هذه السنة مات أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر وفيها أعطى الواثق أشناس تاجاً ووشاحين‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين

في هذه السنة حبس الواثق الكتاب وألزمهـم أمـوالاً عظيمة وفيها توفي خلف بن هشام البزار المقرئ البزار بالزاي المنقوطة والراء المهملة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين

في هذه السنة مات عبد الله بن طاهر بنيسابور وهو أمير خراسـان وعمـره ثمـان وأربعـون سنـة واستعمـل الواثـق موضعـه ابنه طاهر بن عبد الله‏.‏

وفي هذه السنـة خرجـت المجـوس فـي أقاصي بلاد الأندلس في البحر إِلى بلاد المسلمين وجرى بينهم وبين المسلمين بالأندلس عدة وقائع انهزم فيها المسلمون وساروا يقتلون المسلمين حتى دخلوا حاضر إِشبيلية ووافاهم عسكر عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس ثم اجتمع عليهم المسلمون من كل جهة فهزموا المجوس وأخذوا لهم أربعة مراكب بما فيها وهربت المجوس في مراكبهم إِلى بلادهم‏.‏

وفي هذه السنة مات أشناس التركي بعد عبد الله بن طاهر بتسعة أيام‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين ومائتين

فيها مات مخارق المغني وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه صاحب الشافعي وكان قد حبس في محنة الناس بالقرآن المجيد فلم يجب إِلى القـول بأنـه مخلـوق وكـان البويطي من الصالحين وهو منسوب إِلى بويط قرية من قرى مصر‏.‏

وفيها توفـي محمـد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الكوفي صاحب اللغة وكان أبوه زياد عبداً سندياً أخـذ الـأدب عن المفضل الضبي صاحب المفضليات ولابن الأعرابي المذكور عدة مصنفات منها‏:‏ كتـاب النـوادر وكتـاب الأنـواء وكتاب تاريخ القبائل وغير ذلك وولد في الليلة التي توفي فيها أبو حنيفة سنة خمسين ومائة والأعرابي منسوب إِلى الأعراب يقال رجل أعرابي إِذا كان بدوياً وإن لم يكن من العرب ورجل عربي منسوب إِلى العرب وإن لم يكن بدوياً ويقال رجل أعجم وأعجمي إِذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي منسوب إِلى العجم وإن كان فصيحاً هكذا ذكر محمد بن عزيز السجستاني في كتابه الذي فسر فيه غريب القرآن‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

  موت الواثق بالله وتوفـي

الواثـق باللـه أبـو جعفر هارون بن المعتصم بالله في هذه السنة لست بقين من ذي الحجة بالاستسقاء وعولج بالإِقعاد في تنور مسخن ووجد عليه خفة فعاوده وشدد سخونته وقعد فيه أكثر من اليوم الأول فحمي عليه وأخرج منه في محفة فمات فيها ودفن بالهاروني ولما اشتد مرض الواثق أحضر المنجمين فنظروا في مولده فقدروا لـه أنـه يعيـش خمسيـن سنـة مستأنفة من ذلك اليوم فلم يعش بعد قولهم إِلا عشرة أيام وكان أبيض مشرّباً حمرة في عينه اليسرى نكتة بياض وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وكسراً وعمره اثنتان وثلاثون سنـة وكـان الواثـق يبالـغ فـي إِكـرام العلوييـن والإِحسـان إِليهـم وفـرق فـي الحرميـن أمـوالا عظيمـة حتـى أنه لـم يبـق بالحرميـن فـي أيـام الواثـق سائـل ولمـا بلـغ أهـل المدينة موته كانت تخرج نساؤهم إِلى البقيع كل ليلة ويندبن الواثق لفرط إِحسانه إِليهم وسلك الواثق مذهب أبيه المعتصم وعمه المأمون في امتحان الناس بالقرآن المجيد وألزمهم القول بخلق القرآن وأن الله لا يُرى في الآخرة بالأبصار‏.‏

  خلافة المتوكل جعفر بن المعتصم

هو عاشرهم ولما مات الواثق عزم كبراء الدولة على البيعة لمحمد بن الواثق فألبسوه قلنسوة ودرّاعة سوداء وهو غلام أمرد قصير فلم يروا ذلك مصلحة فتناظروا فيمـن يولونـه وذكـروا عدة من بني العباس ثم أحضروا المتوكل فقام أحمد بن أبي داود وألبسه الطويلة وعممه وقبل بيـن عينيـه وقـال‏:‏ السلـام عليـك يـا أميـر المؤمنيـن‏.‏

فبويـع بالخلافـة فـي يـوم مـات الواثـق فيه لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكان عمر المتوكل لما بويع ستَاً وعشرين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

القبض على ابن الزيات في صفر من هذه السنة قبض المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه وأخذ جميع أمواله وعذبه بالسهر ثم حطه في تنور خشب فيه مسامير حديد أطرافها إِلى داخل التنور يمتنع من يكون فيه من الحركة ولا يقدر على الجلوس فبقي كذلك محمد بن الزيات أياماً ومات لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول من هذه السنة وكان ابن الزيات هو الذي عمل هذا التنور وعذب به ابن أسباط المضري وأخذ أمواله وكان ابن الزيات صديق إِبراهيم الصولي وكنت أذم إليك الزمان فأصبحت منك أذم الزمانا وكنت أعدك للنائبـات فها أنا أطلب منك الأمانا وفـي هـذه السنـة ولـى المتوكـل ابنـه المنتصـر الحرميـن واليمـن والطائـف وفيهـا توفـي أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام المري البغدادي المشهور وكان إماماً حافظاً قيل إِنه من قرية نحو الأنبار تسمى نقيا وهـو صاحـب الجـرح والتعديـل وكـان الإمـام أحمـد بـن حنبـل شديـد الصحبـة لـه وكانـا مشتركيـن فـي الاشتغـال بعلـوم الحديـث وذكر الدار قطني يحيى بن معين المذكور في جملـة مـن روى عـن الإمـام الشافعـي‏.‏

وولـد يحيـى بـن معيـن المذكـور فـي سنـة ثمـان وخمسيـن ومائـة وتوفـي فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة ثلـاث وثلاثيـن ومائتيـن فـي ذي القعـدة وقيـل ذي الحجـة رحمه الله تعالى‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين

فيها توفي محمد بن مبشر أحد المعتزلة البغداديين وأبو جيثمـة زهـر المحدث وعلي بن عبد الله بن جعفر المعروف بابن المديني الحافظ وهو إِمام ثقة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمـس وثلاثيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة ظهـر بسامـراء رجـل يقـال لـه‏:‏ محمـود بن فرج وادعى النبوة وزعم أنه ذو القرنيـن وتبعـه سبعـة وعشـرون رجـلاً فأُتـي بـه وبأصحابـه إِلـى المتوكـل فأمـر أصحابـه فصفعـه كـل واحـد عشـر صفعـات وضـرب حتـى مات من الضرب وفي هذه السنة مات الحسن بن سهل وعمره تسعون سنة وكان قد شرب دواء فأفرط عليه القيام حتى مات وفيها مات إِسحاق بن إِبراهيم الموصلي صاحـب الألحـان والغنـاء‏.‏

وفيهـا مـات سريـح بـن يونـس بـن سريـح بالسيـن المهملـة وفيهـا وقيل في السنة التي تليها توفي عبد السلام بن رغبان - بالغين المنقوطة - الشاعر المشهور المعروف بديك الجن وكان يتشيع وعاش بضعاً وسبعين سنة ومن جيد شعره أبياته التي من جملتها‏:‏ وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر ولا تسق إِلا خمرها وعقارهـا مشعشة مـن كـف ظبـي كأنمـا تناولها من خده وأدارها

  ثم دخلت سنة ست وثلاثيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة أمـر المتوكـل بهـدم قبـر الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالب رضي الله عنه وهدم ما حوله من المنازل ومنع الناس من إِتيانه وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشفَ رأسه وهو أصلع ويرقص ويقول‏:‏ قـد أقبـل الأصلـع البطيـن خليفة المسلمين يعني علياً والمتوكل يشرب ويضحك وفعل كذلك يوماً بحضرة المنتصر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إِن علياً ابن عمك فكل أنت لحمه إِذا شئت ولا تخلي مثل هذا الكلب وأمثاله يطمع فيه فقال المتوكل للمغنين غنوا‏:‏ وكـان يجالـس مـن اشتهـر ببغض علي مثل ابن الجهم الشاعر وأبي السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية وغيرهما فغطى ذمه لعلي على حسناته وإلا فكان مـن أحسـن الخلفاء سيرة ومنع الناس عن القول بخلق القرآن‏.‏

وفي هذه السنة توفي منصور بن المهدي‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع وثلاثيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة مات محمد بن عبد الله أمير صقلية وتولى موضعه على جزيرة صقلية العباس بن الفضل بن يعقوب بن فزارة وفتح فيها الفتوحات الجليلة وفتح قصر يانه وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية وكان الملك قبلها يسكن مرقوسه فلما أخـذ المسلمـون بعـض الجزيـرة انتقل الملك إِلى قصر يانه‏.‏

لحصانتها ففتحها العباس في هذه السنة يـوم الخميـس منتصـف شـوال وبنـى فيهـا مسجـداً في الحال ونصب فيه منبراً وخطب وصلى فيه الجمعة‏.‏

وفيهـا توفـي حاتم الأصم الزاهد المشهور البلخي ولم يكن أصم وإنما سمي به لأن امرأة جاءت تسأله عن مسألة فخرج منها صوت فخجلت فأوهمها أنّه أصم وقال‏:‏ ارفعي صوتك فسرّت المرأة ظناً منها أنه لم يسمع حبقتها فغلب عليه هذا الاسم‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائتيـن

فـي هـذه السنـة توفـي عبـد الرحمـن بـن الحكـم بـن هشـام بـن عبـد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي صاحب الأندلس في ربيع الآخر وكان مولده سنة ست وسبعين ومائة وولايته إِحدى وثلاثين سنة وثلاثة أشهر وكان أسمر طويـلاً عظيـم اللحية يخضب بالحناء وخلف خمسة وأربعين ابناً ولما مات ملك بعده ابنه محمد بن عبد الرحمن‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين

فيها توفي محمود بن غيلان المروزي وهو من مشايخ البخاري ومسلم‏.‏

  ثم دخلت سنة أربعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنة مات ابن الإمام الشافعي واسمه محمد وكنيته أبو عثمان وكان قاضي الجزيرة وروى عن أبيه وعن ابن عينية وكان للشافعي ولـد آخـر اسمـه محمد أيضاً مات بمصر سنة إِحدى وثلاثين ومائتين‏.‏

وفيها توفي أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي الفقيه البغدادي صاحب الإمام الشافعي وناقل أقواله القديمة عنه وكان على مذهـب أهـل الـرأي حتـى قـدم الشافعـي إِلـى العراق فاختلف إِليه واتبعه ورفض مذهبه الأول‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحـدى وأربعيـن ومائتيـن

  فـي هـذه السنة توفي الإِمام أحمد بن حنبل

بن هلال بن أسد بن إِدريس ينسب إِلى معد بن عدنان وكان وفاته في ربيع الأول وروى عنـه مسلـم والبخـاري وأبـو داود وإبراهيـم الحرثـي وكـان مجتهـداً ورعـاً زاهداً صدوقاً قال الشافعي‏:‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين

فيها مات أبو العباس محمد بن إِبراهيم بن الأغلب أمير إِفريقية وولي بعده ابنه أبو إِبراهيم أحمد بن محمد المذكور‏.‏

وفيها توفي القاضي يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن من ولد أكثم بن صيفي التميمي حكم العرب وكان يحيى المذكور عالماً بالفقه بصيـراً بالأحكـام وهـو مـن أصحـاب الشافعـي وكـان إِمامـاً فـي عـدة فنون وكان ذميم الخلق وابن أكثم المذكور هو الذي رد المأمون عن القول بتحليل المتعـة‏.‏

فقـال ابـن أكثـم لبعـض الفضـلاء الذي كانوا يعاشرون المأمون ومنهم أبو العيناء‏:‏ بكروا غداً إِليه فإِن وجدتم للقول وجهاً فقولوا وإلا فاسكتوا حتى أدخل‏.‏

قال أبو العيناء‏:‏ فدخلنا على المأمـون وهـو يسـأل ويقـول وهـو مغتاظ‏:‏ متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا أنهي عنهما ومن أنت يا جعل حتى تنهي عما فعله رسول الله فأوجم أولئك حتى دخل يحيى بن أكثم فقال له المأمون‏:‏ أراك متغيراً فقال يحيى‏:‏ هـو غـم لمـا حـدث مـن النـداء بتحليـل الزنـا يـا أميـر المؤمنين‏.‏

فقال المأمون‏:‏ الزنا‏.‏

فقال‏:‏ نعم‏.‏

المتعة زنـا‏.‏

قـال‏:‏ ومـن أيـن قلـت هـذا‏.‏

قـال‏:‏ مـن كتـاب اللـه وحديـث رسوله‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏قد أفلح المؤمنـون إِلـى قولـه والذين هم لفروجهم حافظون إِلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملوميـن فمـن ابتغـى وراء ذلـك فأولئـك هـم العادون‏)‏ ‏(‏المؤمنون‏:‏ 5‏)‏ يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فهي الزوجة ترث وتورث قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ وهـذا الزهـري روى عـن عبد الله والحسـن ابنـي محمـد بـن الحنفيـة عـن أبيهمـا عـن علـي بـن أبـي طالـب قـال ‏(‏أمرنـي رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها‏)‏ فقال المأمون‏:‏ أمحفوظ هذا عن الزهري قال‏:‏ نعـم‏.‏

رواه عنـه جماعـة منهـم مالـك رضـي اللـه عنـه فقـال‏:‏ المأمـون‏:‏ أستغفـر اللـه فبـادروا بتحريـم المتعـة والنهـي عنها ولم يكن في يحيى بن أكثم ما يعاب به سوى ما يتهم به من محبة الصبيان وقد قيل فيه بسبب ذلك عدة أشعار منها‏:‏ وكنا نرجى أن نرى العدل ظاهراً فاعقبنا بعد الرجاء قنوط متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها وقاضي قضاة المسلميـن يلـوط ولأحمد بن نعيم في ذلك‏:‏ أنطقني الدهر بعد إِخراس لنائبات أطلن وسواسي لا أفلحت أمة وحـق لهـا بطول نكس وطول إِتعاسِ ترضى بيحيى يكـون سايسهـا وليس يحيـى لهـا بسـواسِ قاضٍ يرى الحد فـي الزنـاء ولا يـرى علـى مـن يلـوط مـن بـاسِ يحكم للأمرد العذير على مثـل جريـر ومثـل عباسِ أميرنا يرتشي وحاكمنا يلوط والرأس شر ما راسِ لا أحسـب الجـور ينقضـي وعلى الأمة وال مـن آل عبـاس وأكثم بالثاء المثناة من فوقها والثاء المثلثة كلاهما لغتان وهو الرجل العظيم البطن والشبعان أيضاً‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلـاث وأربعين ومائتين

في هذه السنة سار المتوكل إِلى دمشق في ذي القعدة‏.‏

وفيهـا مـات إِبراهيـم بـن العبـاس بـن محمـد بـن صول الصولي وفيها توفي الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد وكان قد هجره أحمد بن حنبل لأجل علم الكلام فاختفى لتعصب العامة لأحمد فلم يصل عليه غير أربعة أنفس‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وأربعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة وصـل المتوكل إِلى دمشق ودخلها في صفر وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إِليها فقال يزيد ابن محمد المهلبي‏.‏

أظن الشام يشمت بالعراق إِذا عـزم الإمام على انطلاق فإِن تدع العراقَ وساكنيهِ فقد تبكي المليحةُ بالطلاقِ ثم استوبأ المتوكل دمشـق واستثقـل ماءهـا فرجـع إِلـى سامـراء وكـان مقامـه بدمشـق شهريـن وأياماً وفيها غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب وقبض ماله ونفاه إِلى البحرين‏.‏

وفيها قتل المتوكـل أبـا يوسـف يعقـوب بن إِسحاق المعروف بابن السكيت صاحب كتاب إصلاح المنطق في اللغة وغيره وكان إِماماً اللغة والأدب قتله المتوكل لأنه قال له أيمّا أحب إليك‏:‏ ابنـاي المعتـز والمؤيد أم الحسن والحسين فغض ابن السكّيت عن ابنيه وذكر عن الحسن والحسين ما هما أهلـه فأمـر مماليكه فداسوا بطَنه فحمل إِلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم‏.‏

وقيل إن المتوكل لما سأل ابن السكيت عن ولديه وعن الحسن والحسين قال له ابن السكيت‏:‏ والله إِن قنبراً خادم علي خير منك ومن ولديك‏.‏

فقال المتوكل سلوا لسانه من قفاه ففعلوا به ذلك فمات لساعته في رجـب فـي هـذه السنـة المذكـورة وكـان عمـره ثمانيـاً وخمسيـن سنـة والسكيـت بكسـر السيـن المهملـة وتشديد الكاف فعيل اسم لكثير السكوت والصمت‏.‏

  ثم دخلت سنة خمـس وأربعيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة توفـي ذو النـون المصـري فـي ذي القعـدة وأبو علي الحسين بن علي المعروف بالكرابيسي صاحب الشافعي‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائتين

فيها تحول المتوكل إلى الجعفري وكان قد ابتدئ في عمارته سنة خمس وأربعين ومائتين وأنفق عليه أموالاً تجل عن الحصـر وكـان يقـال لموضعـه الماحـورة وفيهـا توفـي دعبـل بن علي الخزاعي الشاعر وكان مولده سنة ثمان وأربعين ومائة وكان يتشيع‏.‏

 مقتل المتوكل في هذه السنة

قتل المتوكل جماعة بالليل بالسيوف وقت خلوته باتفاق من ابنه المنتصر وبغا الصغير الشرابي وقتل في مجلس شرابه وقتل معه وزيره الفتح ابن خاقـان وكـان قتلـه ليلـة الأربعـاء لأربـع خلـون مـن شـوال وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام وعمره نحو أربعين سنة وكان أسمر خفيف العارضين‏.‏

 بيعة المنتصر

وهو حادي عشرهم لما أصبح نهار الأربعاء صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل حضر الناس والقـواد والعساكـر إلـى الجعفري فخرج أحمد بن الخصيب إِلى الناس وقر عليهم كتاباً من المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتلته به فبايع الناس المنتصر صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي العبـاس أميـر صقليـة فولـى النـاس عليهـم ابنـه عبـد اللـه ابـن عبـاس ثم ورد من إِفريقية خفاجة بن سفيان أميراً على صقلية فغزا وفتح في جزيرة صقلية ثم اغتاله رجل من عسكره فقتله وهرب القاتل إِلـى المشركيـن ولمـا قتـل خفاجـة استعمـل النـاس ابنـه محمـد بـن خفاجـة ثـم أقـره علـى ولايتـه محمد بن أحمد بن الأغلب صاحب القيروان وبقي محمد بن خفاجة أميـراً علـى صقليـة إِلـى سنة سبع وخمسين ومائتين فقتله خدمه الخصيان وهربوا فأدركهم الناس وقتلوهم على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو عثمان بكر بن محمد المازني النحوي الإمام في العربية‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائتين

 موت المنتصر

فـي هـذه السنة توفي المنتصر بالله محمد بن جعفر المتوكل يوم الأحد بسامراء لخمس خلون من ربيع الأول بالذبحة وكانت مدة علتـه ثلاثـة أيـام وعمـره خمـس وعشـرون سنـة وستـة أشهـر وكانـت خلافتـه ستـة أشهـر ويوميـن وكـان أعيـن أقنـى قصيـراً سهيبـاً عظيـم اللحيـة راجح العقل كثير الإنصاف وأمر الناس بزيارة قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأمن العلويين وكانوا خائفين أيام أبيه‏.‏

 خلافة المستعين أحمد بن محمد المعتصم

وهو ثاني عشرهم ولما توفي المنتصر اتفق كبراء الدولة مثل بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش الأتراك ومحمد بن الخصيب على تولية المستعين وكرهوا أن يقيموا بعض ولد المتوكـل لكونهـم قتلوا المتوكل فبايعوا المستعين ليلة الاثنين لست خلون من ربيع الآخر وهو ابن ثمان وعشرين سنـة ويكنـى أبـا العبـاس‏.‏

وفيهـا ورد على المستعين الخبر بوفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عبـد اللـه أمير خراسان في رجب فعقد المستعين لولده محمد بن طاهر على خراسان‏.‏

وفيها مـات بغـا الكبيـر‏.‏

فجعـل المستعيـن ابنـه موسـى بـن بغـا مكانـه‏.‏

وفـي هـذه السنة شغب أهل حمص على كيدر عاملهم فأخرجوه عنهم‏.‏

وفي هذه السنة تحرك يعقـوب ابـن الليـث الصفـار مـن سجستان نحو هراة‏.‏

وفيها توفي محمد ابن العلا الهمداني وكان من مشايخ البخاري ومسلم‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائتيـن

فـي هـذه السنـة كـان بيـن المسلميـن والـروم وقعـة بمـرج الأسقـف‏.‏

قتل فيها مقدم العسكر وهو عمر بن عبد اللّه الأقطع وكان من شجعان المسلمين وانهزمت المسلمون وقتل منهم جماعة وخرجت الروم فأغاروا إِلى الثغور الجزرية‏.‏

وفي هذه السنة شغبت الجند الشاكرية والعامة ببغداد على الأتراك بسبب استيلائهم على أمور المسلمين يقتلون مـن شـاءوا مـن الخلفـاء ويستخلفـون مـن أحبـوا مـن غيـر ديانـة ولا نظـر للمسلمين ثم وقعت في سامراء فتنة من العام وفتحوا السجون وأطلقوا ما فيها ثم ركبت الأتراك وقتلوا من العامة جماعة وسكنت الفتنة‏.‏

وفي هذه السنة ثارت الموالي بأتامش فقتلته ونهبوا من داره أموالاً جمة لأن المستعين كان قد أطلق يد أتامش ويد والدته أعني والدة المستعين ويد شاهك الخادم في بيوت الأموال فكانوا يأخذون الأموال من دون غيرهم فقتل أتامش بسبب استيلائه على الأموال‏.‏

وفي هذه السنة توفي علـي بـن الجهـم الشاعـر‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي أبـو إِبراهيـم أحمـد بـن محمـد بـن إبراهيم بن الأغلب صاحب إفريقية ولما مات ولي موضعه أخوه زيادة الله بن محمد وكنيـة زيادة الله المذكور أبو محمد‏.‏

  ثم دخلت سنة خمسيـن ومائتيـن

فـي هـذه السنـة ظهـر يحيـى عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علـي بـن الحسين بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا الحسين بالكوفة وكثر جمعه واستولى على الكوفة ثم جهز إِليه محمد بن عبد الله بن طاهر جيشاً فخرج إِليهم يحيى بجمعة فقتل يحيى وانهـزم أصحابـه وقتـل منهـم جماعـة وحمل رأسه إِلى المستعين ثم في هذه السنة ظهر الحسن بن زيـد بـن محمـد بـن إِسماعيـل بـن زيـد بـن الحسـن بـن الحسن بن علي بن أبي طالب بطبرستان وكثر جمعـه واستقـل بملـك طبرستـان ويسمـى بالداعـي إِلـى الحـق وبقـي مستوليـاً حتـى قتل في سنة سبع وثمانين ومائتين وقام بعده الناصر الحسن بن علي‏.‏

وفي هذه السنة وثب أهل حمص على عاملهم وهو الفضل بن قارن أخو مازيار فقتلوه فأرسل المستعين إِليهم موسى بن بغا الكبير فحاربـوه بيـن حمـص والرستن فهزمهم وافتتح حمص فقتل من أهلها مقتلة عظيمة وأحرقها‏.‏

وفي هـذه السنـة توفـي زيـادة اللـه بـن محمـد بـن إِبراهيـم بـن الأغلـب أميـر إفريقيـة وكانت ولايته سنة وستة أشهر وملك بعده ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المذكور وفيها مات الخليع الشاعر واسمه الحسين بن الضحاك وأشعاره وأخباره مشهورة وكان مولده سنة اثنتين وستين ومائة‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحـدى وخمسين ومائتين

في هذه السنة اتفق بغا الصغير ووصيف وقتلا باغر التركي فشغبت الترك وحصروا المستعيـن وبغـا الصغيـر ووصيفـاً فـي القصـر بسامـراء فهـرب المستعين وبغا ووصيف في حرّاقه وانحدروا إلى بغداد واستقر بها المستعين‏.‏